داء كثرة وحيدات النوى الخمجي

داء كثرة وحيدات النوى الخمجي بالإنجليزية Infectious Mononucleosis هو مرض فيروسي ينشأ عن فيروس ابشتاين بار EBV .

[toc]


العامل المسبب لداء كثرة وحيدات النوى الخمجي

ينجم هذا المرض عن فيروس ابشتاين بار EBV وهو عضو من مجموعة الحلأ، ولا يمكن تمييزه من الناحية الشكلية عن فيروس الحلأ البسيط، ولقد كشف أصلاً بالمجهر الالكتروني في الخلايا المزروعة من عينات من لمفوما بوركيت (مرض تنشؤي يحدث بشكل مسيطر في افريقيا الوسطى).

إن الخلايا الابتليالية للبلعوم هي أول عضو مستهدف من قبل هذا الفيروس ولكن سرعان ما تصاب اللمفاويات B وتنتشر على طول الجهاز اللمفي إلى معظم الأعضاء حيث تتكاثر هناك حتى تلجمها اللمفاويات T المفعلة. تنتسخ مورثات الفيروس بنموذج متعاقب: حيث تنتسخ أولاً المستضدات الباكرة التي تمثل الأنزيمات الفيروسية الضرورية لتنسخ الـ DNA، و يلي ذلك تنسخ الـ DNA و التعبير عن مستضدات الغلاف. تشكل هذه المنتجات المورثية النوعية أساس التشخيص المصلي للخمج البدئي أو المفعل بـEBV. يصيب فيروسEBV  اللمفاويات B ويجعلها خلايا خالدة (immortal) ويحمي نفسه ضمن النواة، وهذه الخلايا البائية تنتشر بسرعة حتى يتفعل الجهاز المناعي وبخاصة الخلايا T والخلايا القاتلة.

تعد اللمفاويات اللانموذجية الموجودة أثناء الخمج الحاد للـ EBV هي من الخلايا التائية السامة للخلايا والتي تتفعل استجابة للخلايا B المخموجة بـ EBV.


الوبائيات

في البلدان النامية يحدث خمج EBV في عمر مبكر من الحياة، ويكون معظم الأطفال في عمر مبكر من الحياة إيجابيين مصلياً، أما في البلدان المتقدمة فيرتبط العكر الذي يحدث فيه الخمج بالمستوى الاجتماعي الاقتصادي، إذ يكون 60-80% من المراهقين إيجابيين مصلياً لدى الفئات الاجتماعية الاقتصادية الفقيرة، بينما يحدث الخمج بشكل رئيس لدى طلاب الكليات والمدارس العليا لدى الفئات الاقتصادية الاجتماعية الغنية.

يمكن القول أن داء كثرة الوحيدات الخمجي يحدث في كافة الأعمار لكنه نادر عند:

  • الأطفال دون السنتين من العمر حيث تكون معظم هذه الأخماج صامتة.
  • الكهول فوق الأربعين سنة حيث يكون معظم هؤلاء ممنعين سابقاً.

إن نسبة الحدوث الإجمالية هي حوالي 50/100000 شخص سنوياً وترتفع هذه النسبة في البالغين الشباب حتى 1/1000 سنوياً.

ينتقل فيروسEBV عن طريق اللعاب الملوث بشكل رئيس أو التماس مع الأشياء الملوثة باللعاب، وبشكل أقل شيوعاً  عن طريق نقل الدم. ويتطلب الانتقال تماس صميمي. يطرح الفيروس بشكل حر في اللعاب قبل الخمج السريري الصريح وخلاله، إضافة إلى أن 10-20% من الأشخاص السليمين الإيجابيين مصلياً و 60% من الأشخاص المثبطين مناعياً والإيجابيين مصلياً يطرحون الفيروس بشكل متقطع، و لذلك فإن فترة السراية غير معروفة. تدوم فترة الحضانة 30-50 يوماً عند المراهقين، وقد تكون أقصر عند الأطفال ولكنها غير محددة تماماً.


التظاهرات السريرية لداء كثرة وحيدات النوى الخمجي

ترتبط التظاهرات السريرية لخمج EBV بالعمر وتتراوح من الخمج اللاعرضي وحتى الخمج القاتل، حيث يكون الخمج عند الرضع والأطفال الصغار غير عرضياً عادة أو يتظاهر بمرض بسيط .

قد تتضمن أعراض داء الوحيدات الخمجي :

التهاب اللوزات

الحمى

الإصابة التنفسية العلوية.

في الأطفال الكبار و البالغين الشباب قد تحدث يلي خمج EBV متلازمة كثرة الوحيدات الخمجية النموذجية (التهاب حلق، حمى، اعتلال عقد لمفية، ضخامة كبدية طحالية، كثرة لمفاويات).

يكون بدء هذه المتلازمة مخاتلاً ومبهماً عادة. يتضمن الطور البادري:

الدعث، التعب

الصداع

الغثيان

الألم البطني

وقد يدوم هذا الطور البادري 1-2 أسبوعاً.

تزداد شكوى المريض من ألم الحلق والحمى بالتدريج ويترافق ألم الحلق غالباً مع التهاب بلعوم متوسط إلى شديد وضخامة لوزات ملحوظة مع نتحة، وقد تعزل العقديات من البلعوم لدى30% من الأطفال.

كثيراً ما يشاهد طفح باطن مؤلف من حبرات عند اتصال الحنك القاصي بالرخو، وتلاحظ الحمى (39) درجة مئوية لدى حوالي 85% من المرضى.

من العلامات المميزة الأخرى أيضا نذكر:

اعتلال العقد اللمفية (خاصة العقد اللمفية الرقبية الخلفية والعقد فوق البكرة، وبشكل أقل شيوعاً  قد تكون إصابة العقد اللمفية معممة)

ضخامة الطحال (قد توجد لدى حوالي نصف المرضى)

ضخامة الكبد (تلاحظ لدى حوالي 10-20% من المرضى مع أن ارتفاع إنزيمات الكبد الدال على التهاب كبد لا يرقاني يحدث في 80% من الحالات).

يلاحظ وذمة أجفان وطفح شروي أو حطاطي بقعي لدى 5-15% من الحالات، ويتطور طفح حمامي منتشر لدى حوالي 80% من المرضى المعالجين بالأمبسلين وسبب هذه الظاهرة مجهول.

تدوم الأعراض عادة 2-4 أسابيع يتبعها شفاء تدريجي، ويذكر أن التعب والدعث من الأعراض الشائعة التي تدوم عدة أشهر. ا

لإنذار للشفاء التام ممتاز ما لم يحدث أي من المضاعفات.

فعالية EBV المكونة للأورام:

من المؤكد تقريباً أن EBV عامل محرض لإحداث لمفوما بوركيت لدى الأطفال في افريقيا، وسرطانة البلعوم الأنفي لدى الكهول في آسيا. لوحظ وجود ترافق بين EBV ولمفوما الخلية B متعددة النسيلة عند المرضى المثبطين مناعياً وكذلك الداء التكاثري اللمفاوي المرتبط بالجنس.

المضاعفات لداء كثرة وحيدات النوى الخمجي :

من المضاعفات المخيفة لداء كثرة الوحيدات الخمجي تمزق الطحال الذي أكثر ما يحدث خلال الأسبوع الثاني للمرض بشكل تال للتضخم السريع في الطحال، ومن الشائع أن يرتبط التمزق برض قد يكون خفيفاً غالباً، وقد يحدث أحياناً أثناء جس البطن بالفحص الطبي.

قد يحدث انسداد للمجرى التنفسي نتيجة التورم الشديد في اللوزتين والبلعوم.

تعد المضاعفات العصبية أشيع مما يتوقع عادة وأكثر خطورة وقد تحدث حتى في غياب المظاهر النموذجية لداء كثرة الوحيدات الخمجي، ومن هذه التظاهرات: الاختلاجات، الرنح ataxia، متلازمة غيلان باريه، متلازمة التهاب سحايا عقيم، شلل Bell، التهاب نخاع معترض، التهاب دماغ، اضطرابات الإدراك للمكان والحجم (أو ما يسمى متلازمة أليس في بلاد العجائب) وقد تكون هي العرض البارز.

من المضاعفات الأخرى:

التهاب الكبد (85% من الحالات والبعض يعتبره جزءاً من المرض)، التهاب العضلة القلبية، ذات الرئة الخلالية، فقر دم انحلالي غالباً مع إيجابية اختبار كومبس، نقص صفيحات متواسط بالأضداد، ونادراً فقر دم لا مصنع، التهاب معثكلة، التهاب نكفة، التهاب خصية، متلازمة Reye.

في عديد من الأسر سجلت متلازمة نادرة للداء التكاثري اللمفاوي المرتبط بالجنس (متلازمة Duncan) تحدث لدى الذكور إثر الإصابة بخمج EBV، وقد يموت هؤلاء من خمج صاعق، وقد ينجون ويتطور لديهم مرض لمفاوي تكاثري للخلية B أو فقر دم لا مصنع، أو نقص غاما غلوبولين الدم. قد تحدث أخماج شديدة أو خباثات محرضة بالـ EBV لدى مرضى آخرين مصابين بأعواز مناعية (الإيدز، العوز المناعي المختلط الشديد…) وسجلت حالات نادرة من الخمج القاتل المنتشر أيضاً لدى أشخاص أسوياء مناعياً مسبقاً و تطور لديهم نقص لمفاويات أثناء المرض.


التشخيص لداء كثرة وحيدات النوى الخمجي

أصبح إثبات تشخيص داء كثرة وحيدات النوى الخمجي مخبرياً ممكناً و دقيقاً، لكن كثيراً ما يوضع التشخيص فقط على أساس اللمفاويات اللا النموذجية والاختبارات المصلية المعروفة.

في الواقع يحدث ارتفاع في تعداد الكريات البيض ( 10-20 ألف/ملم3 ) في أكثر من 90% من الحالات وثلثي هذه الكريات على الأقل لمفاويات، وتشكل اللمفاويات اللانموذجية عادة 20-40% من الرقم الكلي. تكون اللمفاويات اللانموذجية أقل لفتاً للنظر عند الأطفال أقل من 5 سنوات من العمر.

اللمفاويات اللانموذجية كبيرة الحجم وغير منتظمة الشكل وذات مميزات تلوينية خاصة، وهي على الأغلب خلايا T مرتكسة لوجود خلايا B مخموجة بالـ EBV.

يحدث نقص صفيحات خفيف (50-200 ألف / ملم3) في 50% من الكرضى على الأقل، ولكن نادراً ما تنقص إلى الحد الذي يحدث فرفريات. ترتفع إنزيمات الكبد في نحو 85% من الحالات.

على رأس الاختبارات غير النوعية لتحري الأضداد المتغايرة يأتي اختبار بول – بونيل المعروف واختبار التراص على الصفيحة.

مبدأ اختبار بول بونيل عند المصابين بفرط الوحيدات الخمجي وجود أضداد كثيرة شاذة موجهة ضد مستضدات من نسج حيوانية. لتمييز الأضداد المتغايرة لفرط الوحيدات الخمجي عن الأضداد الأخرى يختبر المصل من أجل التراص مع كريات حمر الخروف أو (من أجل حساسية أكبر) مع كريات حمر الحصان قبل وبعد الامتصاص مع كريات حمر الثور أو معلق خلايا كلية خنزير غينياً إيجابياً.

في داء كثرة الوحيدات الخمجي تبقى عيارات أضداد كريات حمر الخروف أو الحصان بعد امتصاص خلايا خنزير غينيا لكن تختفي بعد امتصاص خلايا الثور. يعد عيار الأضداد أكثر من 1/28 أو 1/40 (حسب نظام التمديد المستخدم) بعد الامتصاص مع خلايا خنزير غينيا إيجابياً.

من المحتمل أن يبقى اختبار تراص كريات حمر الخروف إيجابياً لعدة أشهر فقط بعد خمج  EBV لكن اختبار تراص كريات حمر الحصان قد يبقى إيجابياً لمدة تصل حتى السنتين.

من الاختبارات الشائعة الأخرى للأضداد المتغايرة تستخدم كريات حمر الخروف أو الحصان المعاملة بالفورمالين لإجراء التراص السريع على صفيحة من كواشف محضرة تجارياً.

بشكل عام يغلب أن تكون هذه الاختبارات سلبية (أو بعبارات أقل) لدى الأطفال دون 5 سنوات من العمر لكنها تكشف حوالي 90% من الحالات لدى الأطفال الأكبر والكهول. يتطلب التشخيص النوعي لخمج EBV تحليل الأنماط المتعددة للأضداد الموجهة لمستضدات نوعية للـ EBV.

على رأس الاختبارات المصلية النوعية للـ EBV وأكثرها شيوعاً اختبار كشف أضداد مستضد المحفظة الفيروسية VCA، وفي وقت بدء الأعراض يغلب وجود عيارات عالية لأضداد VCA من نوع IgG و IgM إضافة لأضداد موجهة للمستضد الباكر (EA).

إن غياب أضداد المستضد النووي لفيروسابشتاين بار (EBNA) (أو وجودها بمستويات منخفضة) مع وجود الأضداد الموجهة ضد VCA يوجه لخمج الحاد

أما وجود مستويات عالية من IgG المضاد للـ VCA والمضاد للـ EBNA وغياب الـ IgM المضاد للـ VCA والمضاد للـ EA فيشير إلى خمج سابق (غير حاد) إن غياب الأضداد المضادة للـ EBV يشير إلى أن الشخص غير مخموج ومؤهب للإصابة. تعتبر هذه الاختبارات المصلية مفيدة لتقييم المرضى الصغارالذين تكون اختبارات الأضداد المتغايرة الخاصة بداء كثرة الوحيدات الخمجي سلبية لديهم وكذلك في حالات الإصابة مع تظاهرات عضوية معزولة مثل التهاب العضلة القلبية والحمى مجهولة السبب والتهاب الدماغ.

من الممكن أيضاً تحري EBV DNA في الخلايا المخموجة بطريقة التهجين (DNA hybridization).


التشخيص التفريقي لداء كثرة وحيدات النوى الخمجي

يتضمن التشخيص التفريقي:

  • خمج الفيروسات المضخمة للخلايا CMV
  • داء المقوسات
  • التهاب الكبد A
  • اللمفوما
  • الابيضاض

من الحالات التي قد تلتبس أحياناً بالتشخيص (بدرجة أقل):

  • الحصبة الألمانية
  • داء البريميات Leptospirosis
  • داء كاوازاكي
  • الإيدز
  • خمج فيروس الحلأ الإنساني – 6
  • الخمج العقدي.

المعالجة لداء كثرة وحيدات النوى الخمجي

لا تتطلب الحالات النموذجية لداء كثرة الوحيدات الخمجي أية معالجة نوعية، وتستطب الراحة في السرير عندما تتطلب حالة المريض ذلك لكنها لا تغير من سير المرض.

قد يكون للأسيكلوفير بعض الفائدة في الحالات المهددة للحياة.

و تستطب الستيروئيدات القشرية من أجل:

  • العسرة التنفسية الناجمة عن ضخامة اللوزتين والناميات
  • نقص الصفيحات
  • فقر الدم الانحلالي
  • والمضاعفات العصبية

على الرغم من أن الستيروئيدات أبدت فائدة في تقصير سير المرض الحاد فيجب عدم استخدامها في الحالات غير المختلطة.

لا يفيد إشراك الأسيكلوفير والبريدنيزولون في تغيير سير داء كثرة وحيدات النوى الخمجي.

الوقاية من داء وحيدات النوى الخمجي

ليس هناك وسيلة تمنع حدوث خمج فيروس ابشتاين بار، ولكن يجب عدم السماح للمرضى المصابين حديثاً بخمج EBV بالتبرع بالدم. عند حدوث الإصابة يجب تجنب رض الطحال بتحديد الفعاليات الرياضية وتجنب الفحص الطبي المتكرر.