مرض الذئبة الحمراء : أسباب، أعراض، تشخيص وعلاج

مقدمة:
مرض الذئبة الحمراء هو مرض مناعي. نسبة إصابة النساء بهذا المرض بالنسبة للرجال هي عشرة إلى واحد.  يمكن الإصابة بمرض الذئبة فى أى سن لكنها تحدث بشكل أكبر في النساء بين سن الخامسة عشر والخمسة والأربعين سنة .
يتفاوت مرض الذئبة فى شدته من فرد لآخر فيكون هادئ عند البعض ويكون شديد عند البعض الآخر. كذلك تتفاوت حالة المرض نفسه في نفس الشخص من فترة لأخرى من حالة نشاط  بالمرض حيث تزداد الأعراض ألى حالة هدوء أو سكون شبه تام أحياناً. يقوم الطبيب بتعديل جرعات العلاجات التي يتعاطاها المريض تبعاً لحالة نشاط المرض.
سوف نتناول فى هذا المقال أعراض المرض وكيفية تشخيصه وكذلك علاجه أما كيفية العلاج فى مرضى الذئبة الحوامل فسوف يتم تناوله فى مقال آخر.

أسباب المرض:
بالإضافة للأسباب الموضحة في مقال (ما هو المرض المناعي وما أسبابه وهل يشفى) نوضح هنا أنه هناك بعض حالات الذئبة تكون نتيجة تهيج الجهاز المناعي وتحفيزه على مهاجمة أنسجة الجسم نتيجة لتعاطي بعض العقاقير مثل عقار الهيدرالازين (Hydralazine) المستخدم في علاج إرتفاع ضغط الدم  وعقار الكينيدين والبروكيناميد (procainamide و Quinidine) المستخدمان في علاج أمراض القلب و عقار الفينيتوين  (Phenytoin) المستخدم في علاج الصرع و عقار الأيزونيازيد (Isoniazide) المستخدم في علاج الدرن. إذا كان مرض الذئبة بسبب تعاطي واحد من هذه العقاقير، عادة ما تزول أعراض المرض بعد إيقاف تعاطي العقار المتسبب في حدوث المرض ، ولكن يجب التنبيه هنا إلى عدم إيقاف أية عقاقير إلا بمشورة الطبيب المختص حيث أن تبعات إيقاف العلاج قد تكون أخطر من إحتمال ظهور مرض الذئبة الناتج عن إستخدام تلك العقاقير وخاصة إذا وضعنا في الإعتبار أن حدوث هذا المرض بسبب تعاطي العقاقير المذكورة يحدث في حالات قليلة جداً من الأشخاص الذين يتعاطونها.

أعراض المرض:
تختلف الأعراض من شخص إلى آخر وتختلف حسب الجهاز أو العضو المصاب بالجسم وليس بالضرورة أن تحدث جميع الأعراض لكل مريض و أهم أعراض مرض الذئبة الحمراء هي ما يلي:
♦ الشعور بالإرهاق: وهو من الأعراض التى غالباً ما تحدث فى مرضى الذئبة وله أسباب متعددة منها (أ) المرض نفسه ونشاطه، (ب) فقر الدم أو الأنيميا (فقر الدم يعني نقص بنسبة الهيموجلوبين بالدم و الهيموجلوبين هو تلك المادة التي تحمل الأكسوجين من الرئة إلى جميع أعضاء وخلايا الجسم) ، (ج) بعض العادات الغير صحية مثل التدخين و العادات الغذائية الغير صحية ، (د) نقص اللياقة البدنية ، (هـ) الإكتئاب المصاحب للمرض فى بعض الأحيان.
♦ تغيرات بالوزن سواء كان بالزيادة أو النقصان: وقد يكون فقدان الوزن بسبب فقدان الشهية أو أعراض جانبية لبعض الأدوية أو نتيجة وجود أمراض بالجهاز الهضمى. أما زيادة الوزن فقد ترجع الى زيادة الشهية للطعام المصاحبة لإستخدام عقار الكورتيزون الذي يستخدم أحياناً لعلاج بعض أعراض المرض أو بسبب إصابة الكلى بالمرض والتى تؤدى أحياناً الى تجمع المياه والأملاح بالجسم.
♦ إرتفاع فى درجة الحرارة: قد يكون إرتفاع درجة الحرارة دلالة على حدوث نشاط بالمرض وفى معظم الأحيان تستجيب هذه الحرارة الى مخفضات الحرارة المعتادة (الباراسيتمول و مضادات الإلتهابات) وقد يكون السبب الإصابة بإلتهاب ميكروبي بسبب نقص مناعة الجسم التي قد تحدثها بعض العقاقير المستخدمة في علاج المرض.
♦ المفاصل :الآم مع تيبس بالمفاصل خاصة بالصباح وفى بعض الأحيان تورم بالمفاصل.
♦ الجلد:
• • الإحمرار الذى يصيب الوجه على شكل فراشة ويحدث بعد التعرض لأشعة الشمس وهو أكثر الأعراض الجلدية شيوعاً لهذا المرض
• • طفح جلدى عبارة عن دوائر حمراء تعلو عن سطح الجلد وبها قشور (ذئبة قرصية)
• • تساقط بالشعر
• • تقرحات غير مؤلمة وأحياناً مؤلمة بالفم
• • ظاهرة الرينود (Raynaud’s phenomenon) وهى ظاهرة تحدث بعد التعرض للجو البارد أو تدخين السجائر تؤدى الى حدوث تغيرات بلون الجلد (أبيض أو أزرق ثم أحمر) بالأصابع والقدمين وتحدث هذه الظاهرة نتيجة ضيق بالأوردة التى تغذى الأطراف
الحساسية للضوء وهى تحدث من 60 الى 80% من مرضى الذئبة وهى عبارة عن حدوث إحمرار بالجلد بعد التعرض لضوء الشمس أو ضوء لمبات الفلورسين (الضوء الأبيض) و لهذا يوصى بتجنب التعرض لأشعة الشمس الحارقة (الشواطئ) خاصة من 10 صباحا الى 3 عصراً وإستخدام حاجز للشمس (Sun screen)بمعامل حماية من الشمس أكثر من 50 ويوضع 30 دقيقة قبل الخروج فى أشعة الشمس ويعاد وضعه كل 2 إلى 4 ساعات.
♦ الكلى: تحدث إصابة الكلى بالتحديد بالمصفاة الموجودة بها والتي تمنع تسرب الجزيئات الكبيرة بالدم (مثل الألبومين) إلى البول مما يؤدي إلى تسرب كميات من البروتين إلى البول الأمر الذي يؤدي إلى حدوث تورم بالقدمين وأحياناً إرتفاع بضغط الدم وتستجيب هذه الأعراض بصورة جيدة للعلاج ولكن إن لم يتم العلاج قد يؤدى إلى تطور الحالة وحدوث خلل بوظائف الكلى حيث يحدث إرتفاع بنسبة الكرياتينين بالدم (ِSerum Creatinine) وإرتفاع ملحوظ بضغط الدم والذي يحتاج إلى علاجات مكثفة وبجرعات عالية. لذلك لابد من المتابعة الدورية للكلى من خلال وظائف الكلى وتحليل البول.
♦ الجهاز الهضمى: قد يتأثر الجهاز الهضمي في مرض الذئبة بسبب العقاقير المستخدمة فى العلاج خاصة مسكنات الألم و مضادات الإلتهابات والكورتيزون والتي تسبب إلتهابات بالمعدة ، أما تأثير المرض نفسه يمكن أن يظهر فى صورة آلام بالبطن مع قيئ ناتج عن إلتهابات بالبنكرياس (Pancreatitis) أو التهابات فى الغشاء المبطن للمعدة والأمعاء  (Peritonitis).
♦ الرئة: قد يحدث إلتهاب بالغشاء البلورى يؤدى الى حدوث ألم بالصدر مع عملية التنفس، خاصة مع التنفس العميق (Pleurisy). أيضاً قد يعاني المريض من صعوبة فى التنفس نتيجة  لإرتشاح رئوي أي تجمع المياه حول الرئة وهو يحدث أحياناً مصاحباً لإلتهاب الغشاء البلوري (Pleural Effusion) أو نتيجة إلتهابات بالنسيج الرئوي نفسه (Lupus Pneumonitis).
♦ القلب: مرض الذئبة قد يؤدى الى زيادة نسبة حدوث أمراض شرايين القلب وذلك بعد فترة طويلة من الإصابة بالمرض ، لذلك عند حدوث ألم بالصدر لفترة تتعدى الدقائق ينبغى إستشارة الطبيب. كذلك قد تحدث إلتهابات بالغشاء المغلف للقلب (Pericarditis)أو يحدث (نادراً) تأثر فى صمامات القلب.
♦ الجهاز العصبى: قد تحدث بعض الأعراض بالجهاز العصبي وتكون إما من المرض نفسه أو تكون من الأعراض الجانبية للعقاقيرالمستخدمة في العلاج و أهم هذه الأعراض الإكتئاب، صعوبة فى التركيز، الصداع، التشنجات، آلام وتنميل فى اليدين والقدمين  (بسبب إلتهاب فى الأعصاب الطرفية).
♦ العين: جفاف بالعين أو الإحساس بوجود رمل فى العين (إلتهاب القرنية الجاف)، وهذه الأعراض يمكن أن تعالج بقطرة العين وتجنب الأتربة.

تشخيص المرض:
قامت الكلية الأمريكية لأمراض الروماتيزم بعمل المعايير التى يمكن من خلالها تشخيص المرض وهذه المعايير هى:
♦ الإحمرارالذى يصيب الوجه على شكل فراشة
♦ الذئبة القرصية
♦ تقرحات غير مؤلمة بالفم
♦ الحساسية للضوء
♦ إلتهابات المفاصل
♦ إلتهابات المصلية: إلتهاب الغشاء البلورى (الغشاء الذى يحيط بالرئة) أو حدوث تجمع للمياه حول الرئة أو إلتهاب الغشاء التامورى (الغشاء الذى يحيط بالقلب) أو حدوث تجمع للمياه حول الغشاء التامورى.
♦ إلتهابات الكلى: وجود زلال بالبول أكثر من 500 ميليجرام فى عينة البول المجمعة على مدار 24 ساعة.
♦ إلتهابات الجهاز العصبى:حدوث تشنجات أو إضطراب عقلى.
♦ تغيرات فى مكونات الدم:أنيميا ناتجة عن تكسير فى كرات الدم الحمراء أونقص فى كرات الدم البيضاء أو نقص فى الصفائح الدموية.
♦ التحاليل المناعية: وجود الأجسام المضادة للحمض النووي (Anti-DNA، ANA ، Anti-Sm).
ويشخص المرض بواسطة الطبيب المختص بوجود أربعة على الأقل من هذه الأعراض بخاصة مع إيجابية تحاليل الأجسام المضادة .

العلاج:
أولاً: بعض النصائح العامة التى يمكن أن تفيد مرضى الذئبة:
♦ الغذاء: ليس هناك غذاء محدد لمرضى الذئبة ولكن يفضل أن يكون غذاء صحى (قليل الدهون – كثير الفواكه والخضروات- كميات محدودة من اللحوم والأسماك). ولكن قد نحتاج الى وضع بعض القيود على الطعام فى بعض الحالات مثل:
• • عند وجود نشاط للمرض يجب أن يكون الغذاء عالى القيمة الغذائية.
• • فى حالة تعاطي جرعات عالية من الكورتيزون يفضل متابعة الوزن بإستمرار ويراعى زيادة اللبن فى الطعام والأدوية التى تحتوى على الكالسيوم (1000-1500مج يومياً) ، و فيتامين د (400-800 وحدة يومياً).
• • فى حالة وجود تورم بالقدمين نتيجة إلتهاب بالكلى ، يجب تقليل الأملاح فى الطعام.
• • لا يفضل الأعشاب والمكملات الغذائية .
♦ الرياضة: التمارين المستمرة مطلوبة وفي حالات تهيج المرض وإشتداد أعراضه ، يوصى أيضاً بالحركة وعدم البقاء فترات طويلة بالسرير.
♦ التطعيمات :وصى ببعض التطعيمات مثل مصل الأنفلونزا ومصل الإلتهاب الرئوى وعلى العكس تمنع التطعيمات التى تحتوى على أجسام مضادة مثل الحصبة، الغدة النكفية، شلل الأطفال، خاصة فى أثناء تعاطى الكورتيزون.
♦ تمنع الأدوية التى تحتوى على السلفا والبنيسلين أما بالنسبة لأقراص منع الحمل التى تحتوى على جرعات ضئيلة من الإستروجين فهى آمنة لمرضى الذئبة ولكن يجب تجنبها فى مرضى الرينود ومرضى الكلى والمرضى الذين لديهم زيادة فى تجلط الدم.
♦ الحمل: يجب تجنب الحمل فى أثناء نشاط المرض حيث تزداد معدلات حدوث الإجهاض في حين أن نتائج الحمل تكون جيدة وبدون مضاعفات للأم و للجنين حينما يكون المرض تحت السيطرة على الأقل لمدة 6 شهور قبل حدوث حمل.

ثانياً: العلاج الدوائي:
على الرغم من أنه ليس هناك علاج نهائى لمرض الذئبة الحمراء إلا أنه أصبح هناك العديد من العقاقير التى يمكن أن تخمد نشاط المرض وتحد من أعراضه ومن تأثيره على أجهزة الجسم المختلفة وكذلك تقلل من نوبات حدوث نشاط بالمرض.
العلاج حسب العضو المصاب:
يوجد الآن العديد من العقاقير التى تستخدم فى علاج الذئبة الحمراء وهى مضادات الإلتهاب الغير إستيرودية ،مضادات الملاريا، الكورتيزون، الأدوية المثبطة للمناعة.
♦ إلتهابات المفاصل: هناك مجموعة من الأدوية التى يمكن إستخدامها وهى مضادات الإلتهابات الغير إسترودية التى تقلل الألم و الإلتهابات مثل البروفين والنابروكسين.
الجلد: مضادات الملاريا أفضل علاج للجلد وأشهرها إستخداماً في مرضى الذئبة البلاكونيل (Plaquenil)  و إسمه العلمي هيدروكسى كلوركين (Hydroxychloroquine) ويستخدم فى حماية الأجهزة الأخرى من تأثير المرض. وفي الحالات التي لا تستجيب للبلاكونيل ، قد يستخدم عقار الميثوتريكسات (Methotrexate).
♦ إصابة الكلى أو الدم أوالرئة أو الجهاز العصبى: يمكن إستخدام الكورتيزون وأشهر عقاراته الموصوفة هي البريدنيزيلون (Prednisolone) أو الهوستاكورتن (Hostacortin) أو السوليوبريد (Solupred). ويستخدم الكورتيزون وحده أو بمساعدة بعض الأدوية الأخرى التى تعمل على تهدئة المرض (مثبطات جهاز المناعة) وأمثلة هذه الغقاقير السيلسيب (Cellcept) ، الإميوران (Imuran) ، الإنوكسان (Endoxan). ويقوم الطبيب دائماً بعمل موازنة بين الفائدة التى ستعود من إستخدام الكورتيزونات ومثبطات جهاز المناعة فى مقابل الأعراض الجانبية التي قدتنتج عن إستخدام هذه العقاقير.
♦ وسائل جديدة للعلاج تحت الإختبار: هناك العديد من طرق العلاج التى مازالت تحت الإختبار حتى الآن ومنها زرع الخلايا الجذعية (زرع نخاع العظم) ،و الأجسام المضادة للخلايا B (مابثيرا Mabthera، إبراتوزوماب) وطرق أخرى.

كيف ستؤثر الذئبة الحمراء على حياة المريض؟
الذئبة الحمراء مرض يمكن أن يسبب العديد من الأعراض منها البسيطة ومنها الشديدة، و على عكس الإحصائيات في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، فقد إرتفع معدل البقاء على قيد الحياة من المصابين بالذئبة الحمراء بشكل كبير (نحو 40 في المئة كان يظل على قيد الحياة بعد خمس سنوات من الإصابة بالمرض في 1950 ، ثم زادت النسبة لتصير أكثر من 90 في المئة بعد 10 سنوات الآن). و قد حدث هذا التقدم الملحوظ نتيجة عدة عوامل أهمها القدرة على تشخيص المرض فى مراحله الأولى مع  توفر المزيد من الفحوص التشخيصية الحساسة وبالتالى العلاج المبكر الذى يؤدى منع الكثير من مضاعفات المرض.
يجتاز الكثير من المرضى مرحلة نشاط المرض ويدخلون فى مرحلة السكون ولايحتاجون الى علاج. ففى إحدى الدراسات خمد نشاط المرض و سكن تماماً في حوالى 25% من المرضى لمدة عام ، والسكون يحدث بنسبة 50% فى المرضى الذين تصل فترة مرضهم أكثر من 18 عام وبنسبة 75% فى المرضى الذين تصل فترة مرضهم أكثر من 30 عام.

تصحيح لمعتقد خاطئ عن الذئبة الحمراء:
الذئبة الحمراء لا تؤثر على خصوبة المريضات المصابات ولا تمنع الحمل ، ولكن:
♦ لابد من (أو يفضل جدا) ألا يتم الحمل عند المصابات بالذئبة إلا بعد التأكد من إخماد نشاط المرض شبه التام لفترة لا تقل عن ستة أشهر لأن فرصة هياج المرض تكون أكبر أثناء الحمل إذا ما حدث الحمل والمرض غير كامن الأمر الذي بدوره قد يؤثر على استمرار الحمل وعلى الجنين
♦ هناك بعض الفحوص المعملية وبالتحديد بعض أنواع الأجسام المضادة التي يجب أن يتأكد الطبيب من عدم وجودها قبل حدوث الحمل وإذا ما وجدت فهناك بعض الاحتياطات التي يقوم بها الطبيب (من تعديل في استراتيجية متابعة الجنين أثناء الحمل إلى وصف بعض العقاقير) حتى لا يؤثر وجود ونشاط هذه الأجسام المضادة على أجهزة الجنين وعلى استمرار الحمل
♦ بعض العقاقير التي توصف لعلاج مرض الذئبة لا يمكن وصفها أثناء الحمل لأن لها تأثير سلبي على الجنين ويوصي فقط بوصف عدد محدود من العقاقير التي لا تؤثر على استمرار الحمل أو الجنين
للمزيد من المعلومات عن مرض الذئبة الحمراء أثناء الحمل ، إقرأ مقال الذئبة الحمراء والحمل.