ماهو الفرق بين الحزن والاكتئاب ؟

هل تعاني من الحزن أم من الاكتئاب؟

الشعور بعدم السعادة يختلف عن الشعور بالاكتئاب.ا

فالاكتئاب هو مصطلحٌ يستخدم غالباً بشكلٍ فضفاض ليصف شعورنا بعد أسبوعٍ متعبٍ في العمل، أو حالتنا النفسية أثناء المرور بمرحلة الانفصال عن الشريك. لكن الاضطراب الاكتئابي الرئيسي – نوعٌ من الاكتئاب – أكثر تعقيداً بكثير. هنالك أعراض معينة تُميِّز الاكتئاب عن الحزن العادي الذي نختبره جميعاً من وقتٍ لآخر في حياتنا.

إذا تمكنت من تحديد ما إذا كان الاكتئاب هو مصدر تلك المشاعر المتواصلة والثابتة، فستكون قد خطوت الخطوة الأولى تجاه الشفاء والتعافي. 

وقبل أن نتحدث عن علامات الإكتئاب والفرق بين الحزن والإكتئاب لنلقي نظرة تعريفية عن الحزن العادي ومراحله 

ماهو الحزن ؟

الحزن هو استجابةٌ عاطفيةٌ طبيعية لفقدان شخصٍ ما أو شيءٍ مهمٍّ بالنسبة لك.

قد تتنوَّع المشاعر السَّلبية التي تنتابك، فقد تشعر بالكآبة أو الوحدة كردة فعلٍ طبيعيةٍ لمصاعب الحياة المختلفة، كموت أحد أحبائك، أو انتهاء علاقةٍ، أو خسارة وظيفةٍ، كما أنَّ التغيُّرات الحياتية الأخرى، كالإصابة بمرضٍ مزمنٍ أو الانتقال إلى منزلٍ جديدٍ، يمكن أن تؤدي أيضاً للشُّعور بالحزن.

كلٌّ منَّا يتعامل مع الحزن بطريقته، ولكن إذا فهمت مشاعرك، واعتنيت بنفسك، وطلبت الدَّعم ستتمكَّن من تجاوزه.

ما هي مراحل الحزن؟

عندما نمرُّ في فترة تقبُّل الخسارة والتكيُّف معها فإنَّ مشاعرنا تحدث على مراحل، وحتى لو كنا غير قادرين على السيطرة على عملية سير تلك المراحل، إلا أنَّه من المفيد لنا أن نعرف الأسباب الكامنة وراء مشاعرنا، وقد حدَّد الأطباء خمسة مراحل عامة للحزن:

  • الإنكار: في الوهلة الأولى لإدراكك للخسارة سيكون من الطبيعي أن تُفكِّر ضمنياً بأنَّ ذلك لا يمكن أن يحدث. قد تشعر بالصَّدمة أو بفقدانٍ للحسِّ، وردة الفعل هذه هي طريقة مؤقتة للتعامل مع المشاعر الجارفة التي تنتاب الإنسان، فهي بمثابة آلية دفاع.
  • الغضب: عندما تبدأ بمواجهة الحقيقة، فإنك تواجه أيضاً الألم الذي خلفته تلك الخسارة، وستشعر حينها بخيبة الأمل والعجز، وهذه المشاعر تتحوَّل لاحقاً إلى غضب، وقد تُوجِّه ذلك الغضب إما نحو الآخرين، أو نحو سلطةٍ أعلى، أو نحو الحياة بشكلٍ عام، كما أنَّ الشُّعور بالغضب من حبيبك الذي مات وتركك وحيداً يعدُّ أمراً طبيعياً أيضاً.
  • لوم الذَّات: ﺧﻼل ھذه اﻟﻣرﺣﻟﺔ ستكون مُنشغلاً بالتَّفكير بما كان بإمكانك فعله لمنع حدوث هذه الخسارة، والأفكار الشَّائعة التي ستدور في ذهنك هي: ” ليت ذلك حدث …” و “ماذا لو …”. يمكن أن تحاول أيضاً اللجوء لقوة أعلى.
  • الاكتئاب: يبدأ الحزن عندما تبدأ في فهم الخسارة وتأثيرها على حياتك، وعلامات الاكتئاب تشمل البكاء، ومشاكل النوم، وانخفاض الشَّهية. قد تشعر أيضاً بالهزيمة والنَّدم والوحدة.
  • القبول: في المرحلة الأخيرة للحزن، ستتقبل حقيقة خسارتك، وعدم قدرتك على تغييرها، وبالرغم من استمرار شعورك بالحزن، إلا أنَّك ستتمكن من المضي قدماً في حياتك.

كلُّ شخصٍ يمرُّ بتلك المراحل بطريقته الخاصة، إذ يمكن أن يختلف ترتيب انتقالك بين تلك المراحل، ويمكن أن تتخطى بالكامل مرحلة واحدة أو أكثر، كما أنَّ الأمور التي تُذكرك بالخسارة، كذكرى وفاة أو أغنية مألوفة، يمكن أن تؤدي إلى استثارة الحزن وعودته.

ما هو الحدُّ الطبيعي لمدة الحزن؟

لا يوجد حد “طبيعي” لمدة الحزن، فطول مراحل الحزن يعتمد على عدة عوامل، بما فيها شخصية الشَّخص وعمره ومعتقداته والشَّبكة الدَّاعمة له، كما أنَّ نوع الخسارة يُعتبر عاملاً مؤثراً أيضاً، فعلى سبيل المثال، من المرجَّح أن يسبِّب لك الموت المفاجئ لأحد أحبائك، حزناً أكبر وأطول من الحزن النَّاتج مثلاً عن نهاية علاقةٍ رومانسيةٍ.

مع مرور الوقت، ستخفُّ شدة الحزن وستتمكن من الشُّعور بالسَّعادة والفرح إلى جانب الحزن، وستتمكن أيضاً من العودة إلى حياتك اليومية.

هل أحتاج إلى مساعدةٍ مختصة؟

في بعض الحالات، لا تتحسن حالة الحزن، وقد لا تتمكن من قبول الخسارة. يُسمي الأطباء هذه الحالة “بالحزن المُعقَّد”. استشر طبيبك إن واجهت الحالات التالية:

  • صعوبةٌ في الحفاظ على عاداتك اليومية، كالذَّهاب إلى العمل وتنظيف المنزل
  • مشاعر الاكتئاب
  • التَّفكير بأنَّ الحياة لا قيمة لها، أو بإيذاء الذات
  • عدم القدرة على التوقُّف عن لوم الذَّات

يمكن أن يساعدك المعالج على استكشاف مشاعرك، وأن يُعلِّمك مهارات التأقلم والسَّيطرة على مشاعر الحزن، وإذا كنت مكتئباً فيمكن أن يصف لك الأدوية التي ستُحسِّن حالتك.

عندما تمرُّ بمرحلة ألمٍ عاطفيٍّ عميقٍ، فمن المحتمل أن تُغريك فكرة اللجوء للمخدرات، أو للكحول، أو للطعام، أو حتى للعمل من أجل صرف تفكيرك عن المشاعر السلبية. لكن احذر من تلك الوسائل فهي حلولٌ مؤقتة فقط، ولن تُسرِّع شفائك، ولن تُشعرك بتحسُّنٍ على المدى الطَّويل، بل إنَّها في الواقع قد تُؤدي إلى الإدمان، والاكتئاب، والقلق، أو حتى الانهيار العاطفي.

بدلاً من ذلك، جرِّب هذه الأشياء التي ستُساعدك على التَّعامل مع خسارتك والبدء في التَّعافي:

امنح نفسك مجالاً من الوقت: تقبَّل مشاعرك واعلم أنَّ الحزن هو مرحلة مؤقتة.

تحدث مع الآخرين: اقضي بعض الوقت مع الأصدقاء والعائلة، ولا تعزل نفسك.

اعتني بنفسك: مارس الرياضة بانتظام، وتغذَّى بشكلٍ جيد، واحصل على القسط الكافي من النَّوم لتحافظ على نشاطك وصحتك.

مارس هواياتك: عُد إلى ممارسة الأنشطة التي تجلب لك السَّعادة.

انضم إلى مجموعة دعم: تحدَّث مع الآخرين الذين يمرُّون أيضاً بفترةٍ من الحزن، فذلك سيساعدك على الشُّعور بقدرٍ أكبر من التَّرابط.

 

تابع قراءة هذه العلامات التحذيرية لمعرفة ما إذا كان الوقت قد حان لزيارة أحد خبراء الصحة العقلية.

علامات الإكتئاب

النظرة التشاؤمية

تقول الدكتورة ميشيل لندن ” Michelle London”، الحاصلة على دكتوراه في علم النفس، والعاملة في مستشفى وايس ميموريال في شيكاغو: ” الاكتئاب مرضٌ قاسٍ يمكنه التأثير على أيٍّ كان. من السهل جداً أن يدخل الشخص عند بدء أعراضه بدوامة الاكتئاب، حيث تكون الأعراض متداخلة ببعضها، وتغذِّي بعضها البعض، مما يزيد من حدَّة المرض.”

الاكتئاب الرئيسي هو أحد اضطرابات المزاج التي تؤثر على نظرتك العامة للحياة، فالنظرة التشاؤمية أو اليائسة تجاه الحياة هي أكثر أعراض الاكتئاب شيوعاً.

يمكن أن تشمل المشاعر الأخرى: كره الذات أو الشعور بانعدام القيمة والذنب غير المبرَّر، ويمكن أن يُعبّر مريض الاكتئاب عن مشاعره السلبية المتكررة بجملٍ مثل: ” الذنب كلّه ذنبي ” أو ” ما الفائدة؟ “.

فقدان الاهتمام

تقول ماغن توماس ” Maigen Thomas”، وهي مُحررة ومطورة مواقع الكترونية:” بدأت أشعر بالرغبة في تجنب الذهاب إلى العمل، وبدأت الاعتذار أكثر من مرة بحجة المرض، فقد اعتقدت أنني أمرُّ فقط بمرحلة معقدة بعد الزواج.”

يمكن للاكتئاب أن يسرق المتعة والسعادة من الأمور التي تحبها. إنَّ فقدان الاهتمام أو الانسحاب من النشاطات التي كنت تتطلَّع للقيام بها في السابق – كالرياضات والهوايات أو زيارة الأصدقاء –  هو أيضاً أحد المؤشرات الدالة على الإصابة بالاكتئاب الرئيسي.

أحد الجوانب الأخرى التي يمكن أن تفقد اهتمامك بها هي الجنس، إذ يمكن أن تشتمل أعراض الاكتئاب الرئيسي على الفتور الجنسي وحتى العجز.

ازدياد الشعور بالتعب ومواجهة مشاكل في النوم

يعود جزء من سبب توقفك عن القيام بالأشياء التي تستمتع بها إلى شعورك بالتعب الشديد، فالاكتئاب يترافق غالباً بفقدان الطاقة وبشعورٍ غامرٍ بالتعب، ولعلَّ هذان العارضان من بين أكثر الأعراض المُوهِنة للقوى، فقد يؤديان إلى الإفراط بالنوم.

يقترن الاكتئاب أيضاً بالأرق، إذ يمكن لأحدهما أن يؤدي للآخر والعكس صحيح، ويمكن أيضاً أن يتسببا بمفاقمة بعضهما البعض، كما أنَّ الافتقار للنوم المريح والعميق قد يؤدي أيضاً للقلق.

القلق

تقول الدكتورة جيبثا تاوسيج “Jephtha Tausig ” : ” إذا كنت تشعر بالإحباط وبعدم القدرة على التخلُّص منه، وفي حال فقدت اهتمامك بالأمور التي كانت تُشعِرك يوماً بالسعادة، أو لم يعد لها نفس التأثير الإيجابي، فهذا يعني أنَّ حالتك ليست مجرد حزن مستعصي.”

بالرغم من أنَّ الاكتئاب لم يُظهر أنه يُسبب القلق، إلا أنَّ الحالتين يحدثان غالباً معاً. يمكن أن تشمل أعراض القلق ما يلي:

  • العصبية أو الاضطراب أو الشعور بالتوتر
  • الشعور بالخطر أو الرعب أو الفزع
  • تسارع معدل دقات القلب
  • التنفس السريع
  • زيادة أو غزارة التعرُّق
  • ارتجافٌ أو ارتعاشٌ بالعضلات
  • مواجهة مشكلة في التركيز، أو عدم القدرة على التفكير بوضوح بأيِّ أمرٍ آخر عدا الأمر المُسبب للقلق

الانفعالية عند الرجال

يؤثر الاكتئاب على الجنسين بشكلٍ مختلف. تُظهر الأبحاث أنَّ الرجال المصابين بالاكتئاب يمكن أن يعانوا من أعراضٍ معينة مثل الانفعالية، أو السلوك الإنهزامي أو المتهور، أو تعاطي المخدرات، أو توجيه الغضب في غير محله.

الرجال أقل ميلاً من النساء لأن يدركوا إصابتهم بالاكتئاب أو يلجؤوا لعلاجه.

تقلبات في الشهية والوزن

يمكن للوزن والشهية أن يتأرجحا عند مرضى الاكتئاب، وقد تختلف هذه التقلبات بين شخص وآخر، فبعض الناس تزداد لديهم الشهية ويكسبون الوزن، بينما يفقد البعض الآخر شهيتهم ويخسرون الوزن.

أحد المؤشرات الدالة على ما إذا كانت التغيرات الغذائية مقترنة بالإكتئاب، هي كون التغيرات إرادية أم لا، فإذا لم تكن إرادية فهذا يمكن أن يعني أنها ناتجة عن الاكتئاب.

العواطف غير المضبوطة

تقول ماغن توماس: ” تجلَّى الاكتئاب لدي على هيئة حزن وإحباط وغضب، وأثَّر على زواجي الجديد بشكلٍ كبير لأنَّ زوجي لم يكن يفهم طبيعة الاكتئاب.”

في لحظة تنفجر من الغضب، وفي لحظة أخرى تجد نفسك تجهش ببكاءٍ لا يمكن السيطرة عليه، دون وجود سبب خارجي دفع إلى هذا التغيُّر، ذلك لأنَّ الاكتئاب قادرٌ على التسبب بتقلب المزاج جاعلاً مشاعرك قابلة للتغيُّر في أية لحظة.

التفكير بالموت

تقول ميندي كاي سميث “Mindy Kay Smith”، التي تعمل كمدونة: ” عندما كان عمري 28 عاماً، بدأت بالتفكير بالعودة إلى المدرسة لأُدرِّس فيها يوم الاثنين بعد عطلة الربيع. في يوم الجمعة لم أكن أستطيع تخيُّل إمكانية النهوض من الفراش والذهاب إلى المدرسة، فبدأت بالبكاء ولم أستطع التوقف عنه.”

يرتبط الاكتئاب أحياناً بالانتحار. في عام 2013 مات أكثر من 42.000 شخص منتحراً في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها.

الناس الذين يموتون بسبب الإقدام على الانتحار عادة ما تظهر عليهم الأعراض مسبقاً، إذ غالباً ما يتحدث المكتئب عن أعراضه، أو يُقدِم على محاولة انتحارٍ أولية قبل النجاح في إنهاء حياته. إذا شككت أنَّ أحدهم عرضة لخطر أذية نفسه أو غيره في القريب العاجل:

  • اتصل بالإسعاف أو بأحد جهات الطوارئ المحلية.
  • ابقى مع الشخص حتى وصول المساعدة.
  • أبعد المسدسات أو السكاكين أو الأدوية أو أي شيء آخر يمكن أن يسبب الأذية.
  • استمع له دون الحكم عليه أو مجادلته أو تهديده أو الصُّراخ بوجهه.

إذا شككت بأنَّ أحدهم يفكر بالانتحار اتصل بجهة محلية مختصة بمنع الانتحار.

طلب المساعدة

يقول جيم يورت “Jim Hjort “، وهو أخصائي اجتماعي سريري مُجاز:” غالباً ما يخسر العقل المكتئب قدرته على التفكير المنطقي، ويتبنى أحياناً الحلول الدائمة لمعالجة الألم العاطفي العميق. لذا فإنَّ أهم ما عليك فعله، هو إجراء تقييم فوري في حال كان أحد المقربين منك يُعبِّر عن نيَّته بأذية نفسه.”

إذا عانيت من بعض الأعراض المذكورة أعلاه لأكثر من أسبوعين، فمن الممكن أن تكون مصاباً بالاضطراب الاكتئابي الرئيسي، ويجب أن تعرف أنَّ إدراك حقيقة إصابتك بالاكتئاب هو أمرٌ أساسيٌّ للحصول على المساعدة اللازمة.

يُؤثِّر الاكتئاب على ملايين من الناس وتتنوع طرق علاجه، فهي تتراوح من إجراء تعديلاتٍ في نمط الحياة إلى العلاج الدوائي، أياً كانت طريقة العلاج التي اخترتها، فإنَّ طلب المساعدة من خبيرٍ مُختص هو أول خطوة لاستعادة صحتك النفسية.