مقدمة عن المرض:
يشتمل مرض الهيموفيليا (Hemophilia) عدة أنواع من أمراض إختلال عوامل التجلط و الصفائح الوراثية و تتميز جميعها بكثرة التعرض لحدوث النزيف الدموى مما دفع إلى تسمية هذه المجموعة من الأمراض بمرض حب النزيف. و من أكثر الأنواع شيوعاً مرض فون فليبراند (von Willebrand disease). و لكن عادةً ما يطلق هذا المصطلح على نوعين بالذات هما مرض الهيموفيليا أ (Hemophilia A) و الذي يحدث نتيجة لنقص عامل التجلط رقم 8 و مرض الهيموفيليا ب أو مرض كريسماس (Hemophilia B, Christmas disease) و الذي ينتج عن نقص عامل التجلط رقم 9. و يشيع نوع هيموفيليا أ مقارنةً بنوع هيموفيليا ب. و يؤثر هذا المرض أساساً على الذكور حيث ينتقل من الأم الحاملة للمرض إلى وليدها الذكر.
الأعراض الإكلينيكية:
♦ تتفاوت شدة المرض من مريض لآخر و تعتمد شدة المرض على مقدار النقص في عوامل التجلط. ففي حالات النقص البسيطة يعاني المريض من نوبات من النزيف نتيجة للإصابات الميكانيكية أو العمليات الجراحية أما في الحالات الشديدة فإن نوبات النزيف عادةً ما تحدث تلقائياً دون عامل مساعد و في سن مبكرة. و يعد النزيف المفصلي التلقائي أحد العلامات التشخيصية للحالات الشديدة من هذا المرض.
♦ سن ظهور الأعراض:عادة ما لا يحدث النزيف في الشهور الأولى من حياة الطفل على الرغم من نقص عوامل التجلط منذ الولادة و رغم ذلك فقد يعاني الأطفال حديثي الولادة من نزيف من الحبل السري أو عقب الختان كما قد يحدث نزيف داخلي بالجمجمة في 3-5% من المرضى حديثي الولادة. و في الحالات الشديدة يعاني الطفل من نوبات النزيف في أول سنتين من حياته أما في حالات النقص البسيطة أو متوسطة الشدة فإن أعراض المرض تظهر في سن متأخرة.
♦ أماكن حدوث النزيف:
• • الجهاز العضلي الهيكلي:
من أكثر المناطق المعرضة للنزيف في هذا المرض المفاصل و يحدث النزيف المفصلي في 80% من الحالات. و يلي المفاصل العضلات الهيكلية و الجهاز الهضمي من حيث التأثر. ويؤثر هذا المرض على المفاصل الحاملة للوزن مع بداية تعلم الطفل السير. و يعد أكثر المفاصل تأثراً الكاحل في الأطفال بالإضافة إلى الركبة و الكوع في المرضى الأكبر سناً. و عادةً ما تصيب نوبة النزيف مفصل واحد و لكن قد تتأثر مجموعة من المفاصل في آن واحد. و تختلف الأعراض بإختلاف سن المريض ففي الأطفال الأقل من عامين من العمر تحدث الأعراض على شكل زيادة هياج الطفل عن الحد الطبيعي و قلة إستخدامه للطرف المصاب. أما في الأطفال الأكبر سناً و البالغين فعادةً ما يشعر المريض بحرارة و تيبس بالجزء المصاب يليه حدوث ألم حاد و تورم شديد و صعوبة بحركة المفصل.
و يحدث النزيف المفصلى من الأوعية الدموية للغشاء الزلالي المبطن للمفصل داخل التجويف الداخلي للمفصل و يتسبب هذا النزيف في حدوث تقلص بالعضلات المحيطة مع إرتفاع الضغط الداخلي للمفصل.
و مع كبر سن المريض تقل حدوث نوبات النزيف و يبدأ المريض فى المعاناة من أعراض الإلتهاب المفصلي و الذي عادةً ما يتسبب في تيبس المفصل أو عدم ثباته مع حدوث خشونة بالغضاريف المفصلية و تشوه بالمفصل المصاب. و غالباً ما تحدث هذه المضاعفات في نوع الهيموفيليا أ عن الهيموفيليا ب. و يحدث هذا الإلتهاب المفصلي تغيرات مميزة بالأشعة السينية . و قد يتسبب النزيف الشديد بمفصل الفخذ مع إرتفاع الضغط الداخلي للمفصل في حدوث تنخر بعظم المفصل و الذي يؤدي إلى حدوث ألم شديد بالمفصل مع حدوث خشونة بالغضاريف مع الوقت.
و يزداد تعرض هؤلاء المرضى للعدوى البكتيرية المفصلية. و يجب على الطبيب الشك بحدوث هذه المضاعفة عند حدوث حمى و زيادة بعدد كريات الدم البيضاء بالدم مع حدوث تورم بالمفصل خاصة مع عدم إستجابته لعلاج النزيف المفصلي.
أما عن النزيف داخل العضلات الهيكلية ، فإن من أكثر العضلات تأثراً العضلة الرباعية بالفخذ و عضلات الساعد مما يتسبب في حدوث ألم شديد مع إحتمالية الضغط على الشرايين. و في حالة النزيف داخل العضلة الحرقفية القطنية فإن الكتلة الدموية قد تكون من الكبر لحد الضغط على الحزمة الوعائية العصبية. و من الممكن الإستعانة بفحص الموجات الفوق صوتية على البطن و الحوض لتحديد مكان النزيف.
• • الجهاز العصبي: قد يعاني المريض من نزيف داخل الجمجمة لاسيما في المواليد حديثي الولادة و لكنه من الممكن أن يحدث أيضاً في الأطفال الأكبر سناً و البالغين.
• • الرأس و الرقبة: قد تحدث نوبات النزيف على هيئة نزيف من الأنف أو نزيف من الفم و اللثة مع أقل الرضوض أو عقب إجراء عمليات الأسنان. كما قد يتسبب السعال و القيء في حدوث نزيف من البلعوم و الذي قد يتسبب في إنسداد المجرى التنفسي. كما قد يعاني المريض من نزيف بالملتحمة أو شبكية العين.
• • الجهاز الهضمي: قد يتسبب المرض في حدوث نزيف داخل الجدار المعدي على هيئة قيء أو إسهال دموي أو نزيف بجدار أو التجويف البريتونى للبطن مما يؤدي إلى ألم حاد بالبطن و الذي قد يتشابه مع حالات ألم البطن الحاد الجراحية و حالات الإنسداد المعوي و عادةً ما يمكن التمييز بين الحالتين بفحص الأشعة المقطعية و لكن في بعض الحالات قد يحتاج الطبيب إلى الإستكشاف الجراحي لتأكيد التشخيص. كما قد ينشأ نزيف الجهاز الهضمي عن إلتهاب المريء و المعدة أو وجود أكياس جدارية (رتوج) أو أورام نابعة من الغشاء المخاطي المبطن للجهاز أو نتيجة لإبتلاع الدم الناشئ عن النزيف.
• • الصدر: من الأماكن المعرضة لحدوث النزيف بها الجهاز التنفسي حيث يظهر ذلك على هيئة بصاق دموي. كما قد يحدث نزيف داخل التجويف البللوري للرئة و بتجويف شغاف القلب.
• • الجهاز البولي:قد تتسبب الهيموفيليا شديدة الحدة في حدوث نزيف من الكلى أو المثانة و الذي قد يستمر لعدةً أيام أو أسابيع.
النزيف المصاحب للإصابات الميكانيكية:نادراً ما يحدث نزيف عقب بزل الوريد أو الجروح الصغيرة أما في حالات الجروح الكبيرة فإن المريض قد يعاني من نزيف شديد لا يتناسب و حجم الجرح.
مضاعفات المرض:
من أهم مضاعفات هذا المرض:
♦ تدمير المفصل حيث يتسبب النزيف الداخلي المتكرر في حدوث إلتهاب بالغشاء الزلالي المبطن للمفصل و الذي يؤدي في النهاية إلى تدمير المفصل و تيبسه. و تقل إحتمالية حدوث هذه المضاعفات مع نقل عوامل التجلط الناقصة للمريض بدايةً من سن مبكرة و قبل حدوث أعراض النزيف الداخلي بالمفصل.
♦ الإصابات الفيروسية بسبب نقل عوامل التجلط بشرية المصدر و الدم المتكرر.
♦ تكوين أجسام مضادة لعوامل التجلط المنقولة و التي تُضعف من تأثير العلاج. و تنشأ هذه المقاومة للعلاج في 25% من حالات هيموفيليا أ الشديدة و في 3-5% من حالات هيموفيليا ب الشديدة و لكنها أقل حدوثأ في الحالات البسيطة و متوسطة الشدة.
تشخيص المرض:
يعتمد تشخيص المرض جزئياً على معرفة التاريخ المرضي لاسيما مع حدوث المرض في أقارب المريض. ثم يلي ذلك إجراء إختبارات عد ووظائف الصفائح الدموية و إختبار البروثرومبين و إختبار الثرومبوبلاستين الجزئي حيث تتميز أمراض الهيموفيليا بكون عدد و وظائف الصفائح و نتيجة إختبار البروثرومبين في المعدل الطبيعي مع طول مدة إختبار الثرومبوبلاستين الجزئي و يتم تأكيد التشخيص بإجراء إختبار قياس تركيز معامل التجلط 8 و 9 بالدم لاسيما في الحالات ذات المعدل الطبيعي لمدة إختبار الثرومبوبلاستين الجزئي حيث لا يحدث خلل بهذا الإختبار في الحالات بسيطة الشدة.
و تساعد الموجات فوق الصوتية و الأشعة المقطعية و الرنين المغناطيسي على تحديد مكان النزيف بالجزء المصاب.
علاج المرض:
يعتمد علاج المرض على العلاج الوقائي و العلاج الشافي لنوبات النزيف بنقل عوامل التجلط الناقصة عن طريق الوريد و كذلك منع و علاج مضاعفات المرض.
♦ الإحتياطات: هناك العديد من الإحتياطات التي يجب إتباعها في الحالات الآتية:
• • على المريض أن يتجنب العقاقير التي قد تضعف من وظائف الصفائح الدموية.
• • ممارسة التمارين الرياضية: حيث أن هؤلاء المرضى عرضة لفقد قوة العضلات و ضمورها و كذلك السمنة بسبب تقييد حركتهم و أنشطتهم لتجنب التعرض لنوبات النزيف. و يجب البدء بممارسة هذه التمارين منذ إكتشاف المرض.
• • التطعيم: لابد من إختيار المكان اللازم للتطعيم حيث تنتقى الأماكن ذات الدهون التحتية للجلد العميقة للبعد عن العضلات الهيكلية مع إستخدام إبر صغيرة الحجم مع الضغط على مكان الحقن و إستخدام كمادات الثلج لمدة ثلاث إلى خمسة دقائق بعد الحقن.
• • العناية بالأسنان: لابد من تنظيف الأسنان اليومي مع علاج أي مشاكل باللثة و الأسنان قبل حدوث أي نزيف باللثه أو الحاجة إلى إقتلاع السن.
• • و في حالة الحاجة لإجراء العمليات الجراحية فلابد من نقل عوامل التجلط الناقصة قبل و بعد إجراء العملية الجراحية لتجنب حدوث النزيف قبل و بعد العملية.
♦ في حالات النزيف الشديد قد يعاني المريض من أنيميا حادة و في هذه الحالة قد يحتاج المريض لنقل دم كامل حديث المنشأ ليمد المريض بكل من كريات الدم الحمراء و عوامل التجلط.
♦ في حالات النزيف الدموي داخل المفصل يتطلب الأمر إعطاء المريض مسكنات الألم مع تجنب حركة المفصل المصاب و فرده لأقصى درجة ممكنة و إستخدام الكمادات الباردة على المفصل و في حالة التورم الشديد بالمفصل قد يساعد بزل الدم الموجود بالداخل بعد رفع مستوى عوامل التجلط بالدم. أما بعد المرور بمرحلة النزيف الحاد قد يساعد المريض البدء ببرنامج العلاج الطبيعي للحفاظ على معدل الحركة الطبيعي للمفصل و تجنب حدوث ضمور بالعضلات المحيطة به. و عن حالات النزيف الشديد المتكرر بالمفصل قد يساعد المريض إزالة الغشاء الزلالي المبطن للمفصل جراحياً أو بحقن مادة كيميائية أو إشعاعية حيث أنه مصدر النزيف بالمفصل و في حالة التدمير التام بالمفصل قد يساعد المريض تثبيت المفصل جراحياً أو إستبداله بآخر صناعي.
♦ في حالة تكوين أجسام مضادة لعوامل التجلط يتم علاج المريض بفصل البلازما عن الدم لعزل الأجسام المضادة و كذلك الكورتيزون و الأدوية المثبطة للمناعة.
أما عن نقل عوامل التجلط الناقصة و الجرعة المناسبة و توقيت نقلها (للوقاية قبل حدوث نوبات النزيف أو للشفاء بعد حدوث نوبات النزيف) و نوع المستحضر فيتم تقريره بواسطة طبيب خبير بأمراض الدم. و يساعد نقل عوامل التجلط المنتجة بإستخدام الهندسة الوراثية على تجنب نقل العدوى الفيروسية التي من الممكن أن يسببها نقل عوامل التجلط بشرية المصدر.